سورة يونس - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


المعنى أن هذا الذي تقدم إنما كان جميعه بقضاء الله عليهم ومشيئته فيهم، ولو شاء الله لكان الجميع مؤمناً فلا تأسف أنت يا محمد على كفر من لم يؤمن بك، وادع ولا عليك فالأمر محتوم، أفتريد أنت أن تكره الناس بإدخال الإيمان في قلوبهم وتضطرهم إلى ذلك والله عز وجل قد شاء غيره.
قال القاضي أبو محمد: فهذا التأويل الآية عليه محكمة أي ادع وقاتل من خالفك، وإيمان من آمن مصروف إلى المشيئة وقالت فرقة: المعنى أفأنت تكره الناس بالقتال حتى يدخلوا في الإيمان، وزعمت أن هذه الآية في صدر الإسلام وأنها منسوخة بآية السيف، والآية على كلا التأويلين رادة على المعتزلة، وقوله تعالى: {كلهم جميعاً} تأكيد وهو من فصيح الكلام، و{جميعاً} حال مؤكدة، ونحوه قوله {لا تتخذوا إلهين اثنين} [النحل: 51] وقوله تعالى: {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} الآية، رد إلى الله تعالى وإلى أن الحول والقوة لله، في إيمان من يؤمن وكون الرجس على الكفار، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {ونجعل الرجس} بنون العظمة، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: {ويجعل} بالياء وقرأ الأعمش: {ويجعل} الله الرجس ، و{الرجس} يكون بمعنى العذاب كالرجز، ويكون بمعنى القذر والنجاسة ذكره أبو علي هنا وغيره وهو في هذه الآية بمعنى العذاب، و{لا يعقلون} يريد آيات الله وحجج الشرع. ومعنى الإذن في هذه الآية الإرادة والتقدير لذلك، فهو العلم والتمكين، وقوله تعالى: {قل انظروا في السماوات والأرض}، هذه الآية أمر للكفار بالاعتبار والنظر في المصنوعات الدالة على الصانع وغير ذلك من آيات السماوات وأفلاكها وكواكبها وسحابها ونحو ذلك، والأرض ونباتها ومعادنها وغير ذلك، المعنى: انظروا في ذلك بالواجب فهو ينهاكم إلى المعرفة بالله والإيمان بالله والإيمان بوحدانيته، وقرأ أبو عبد الرحمن والعامة بالبصرة،{قلِ انظروا}بكسر اللام، وقرأ نافع وأهل المدينة: {قلُ انظروا}بضم اللام، ثم أعلم في آخر الآية أن النظر في الآيات والسماع من النذر وهم الأنبياء لا يغني إلا بمشيئة الله، وأن ذلك غير نافع لقوم قد قضى الله أنهم لا يؤمنون، وهذا على أن تكون {ما} نافية، ويجوز أن يعد استفهاماً على جهة التقرير الذي في ضمنه نفي وقوع الغناء، وفي الآية على هذا توبيخ لحاضري رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين، وقوله: {الآيات والنذر}، حصر طريقي تعريف الله تعالى عباده، ويحتمل أن تكون {ما} في قوله: {وما تغني}، مفعولة بقوله {انظروا} معطوفة على قوله: {ماذا}، أي تأملوا قدر غناء الآيات والنذر عن الكفار إذا قبلوا ذلك كفعل قوم يونس فإنه يرفع بالعذاب في الدنيا والآخرة وينجي من المهلكات، فالآية على هذا تحريض على الإيمان.
قال القاضي أبو محمد: وتجوز اللفظ على هذا التأويل إنما هو في قوله {لا يؤمنون}.


هذا وعيد وحض على الإيمان، أي إذا لجوا في الكفر حل بهم العذاب، وإذا آمنوا نجوا، هذه سنة الله في الأمم الخالية، فهل عند هؤلاء غير ذلك. وهو استفهام بمعنى التوقيف، وفي قوله {قل فانتظروا} مهادنة ما، وهي من جملة ما نسخه القتال، وقوله {ننجي رسلنا} الآية، لما كان العذاب لم تحصر مدته وكان النبي والمؤمنون بين أظهر الكفرة وقع التصريح بأن عادة الله سلفت بإنجاء رسله ومتبعيهم، فالتخويف على هذا أشد، وكلهم قرأ {ننجّي} مشددة الجيم إلا الكسائي وحفصاً عن عاصم فإنهما قرأ {ننْجِي} بسكون النون وتخفيف الجيم، وقرأ عاصم في سورة الأنبياء في بعض ما روي عنه {نُجي} بضم النون وحذف الثانية وشد الجيم، كأن النون أدغمت فيها، وهي قراءة لا وجه لها، ذكر ذلك الزجاج. وحكى أبو حاتم نحوها عن الأعمش، وخط المصحف في هذه اللفظة {ننج} بجيم مطلقة دون ياء وكذلك قرأ الكسائي في سورة مريم {ثم ننْجِي الذين اتقوا} [مريم: 72] بسكون النون وتخفيف الجيم، والباقون بفتح النون وشد الجيم، والكاف في قوله {كذلك} يصح أن تكون في موضع رفع، ويصح أن تكون في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف، وقوله تعالى: {قل يا أيها الناس} الآية، مخاطبة عامة للناس أجمعين إلى يوم القيامة يدخل تحتها كل من اتصف بالشك في دين الإسلام، وهذه الآية يتسق معناها بمحذوفات يدل عليها هذا الظاهر الوجيز، والمعنى إن كنتم في شك من ديني فأنتم لا تعبدون الله فاقتضت فصاحة الكلام وإيجازه اختصار هذا كله، ثم صرح بمعبوده وخص من أوصافه {الذي يتوفاكم} لما فيها من التذكير للموت وقرع النفوس به، والمصير إلى الله بعده والفقد للأصنام التي كانوا يعتقدونها ضارة ونافعة.


المعنى: قيل لي: كن من المؤمنين وأقم وجهك للدين، ثم جاءت العبارة بهذا الترتيب، والوجه في هذه الآية بمعنى المنحى والمقصد، أي اجعل طريقك واعتمالك للدين والشرع، و{حنيفاً} معناه: مستقيماً على قول من قال، الحنف الاستقامة، وجعل تسمية المعوج القدم أحنف على جهة التفاؤل. ومن قال الحنف الميل جعل {حنيفاً} هاهنا مائلاً عن حال الكفرة وطريقهم، و{حنيفاً} نصب على الحال، وقوله {ولا تدع} معناه قيل لي: {ولا تدع} فهو عطف على {أقم}، وهذا الأمر والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت هكذا فإحرى أن يتحرز من ذلك غيره، وما لا ينفع ولا يضر هو الأصنام والأوثان، والظالم الذي يضع الشيء في غير موضعه، وقوله {وإن يمسسك الله بضر} الآية، مقصد هذه الآية أن الحول والقوة لله، ويبين ذلك للناس بما يحسونه من أنفسهم، والضر لفظ جامع لكل ما يكرهه الإنسان كان ذلك في ماله أو في بدنه، وهذه الآية مظهرة فساد حال الأصنام، لكن كل مميز أدنى ميز يعرف يقيناً أنها لا تكشف ضرّاً ولا تجلب نفعاً، وقوله {وإن يردك بخير} لفظ تام العموم، وخصص النبي صلى الله عليه وسلم الفقه بالذكر في قوله: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» وهو على جهة التشريف للفقه، وقوله تعالى: {وهو الغفور الرحيم} ترجية وبسط ووعد ما.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14